سورة الإسراء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بما فِى نُفُوسِكُمْ} من قصد البر إليهما وانعقاد ما يجب من التوقير لهما، وهو على ما قيل تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالًا، وفي الكشف أنه كالتعليل لما أكد عليهم من الإحسان إلى الوالدين بأن الله تعالى أعلم بما في ضمائرهم من ذلك فمجازيهم على حسبه، والظاهر أنه وعد لمن أضمر البر ووعيد لغيره لكن غلب ذلك الجانب لأن الكلام بالأصالة فيه {إِن تَكُونُواْ صالحين} قاصدين الصلاح والبر دون العقوق والفساد {فَإِنَّهُ} تعالى شأنه {كَانَ لِلاْوَّابِينَ} أي الراجعين إليه تعالى التائبين عما فرط منهم مما لا يكاد يخلو منه البشر {غَفُورًا} لما وقع منهم من نوع تقصير أو أذية، وهذا كما في الكشف تيسير بعد التأكيد والتعسير مع تضييق وتحذير وذلك أنه شرط في البادرة التي تقع على الندرة قصد الصلاح وعبر عنه بنفس الصلاح ولم يصرخ بصدورها بل رمز إليه بقوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلاْوَّابِينَ غَفُورًا} لدلالة المغفرة على الذنب والأواب أيضًا فإن التوبة عن ذنب يكون بشرط قصد الصلاح وأن يتوب عنه مع ذلك التوبة البالغة، وهو استئناف ثان يقتضيه مقام التأكيد والتشديد كأنه قيل: كيف نقوم بحقهما وقد يندر بوادر؟ فقيل إذا بنيتم الأمر على الأساس وكان المستمر ذلك ثم اتفق بادرة من غير قصد إلى المساءة فلطف الله تعالى يحجز دون عذابه قائمًا بالكلاءة، وكون الآية في البادرة تكون من الرجل إلى والديه مروى عن ابن جبير، وجوز أن تكون عامة لكل تائب ويندرج الجاني على أبويه التائب من جنايته اندراجًا أوليًا.


{وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
{وَءاتِ ذَا القربى} أي ذا القرابة منك {حَقَّهُ} الثابت له، قيل ولعل المراد بذي القربى المحارم وبحقهم النفقة عليهم إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب عما ينبىء عنه قوله تعالى: {والمساكين وابن السبيل} فإن المأمور به في حقهما المساواة المالية أي وآتهما حقهما مما كان مفترضًا كة نزلة الزكاة وكذا النهي عن التذير وعن الإفراط في القبض والبسط فإن الكل من التصرفات المالية، واستدل بعضهم بالآية على إيجاب نفقة المحارم المحتاجين وإن لم يكونوا أصلًا كالوالدين ولا فرعا كالولد، والكلام من باب التعميم بعد التخصيص فإن ذا القربى يتناول الوالدين لغة وإن لم يتناوله عرفًا فلذا قالوا في باب الوصية المبنية على العرف: لو أوصى لذوي قرابته لا يدخلان. وفي المعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قال لأبيه قربني فقد عقه» والغرض من ذلك تناول غيرهما من الأقارب والتوصية بشأنه.
وفي الكشف أن الحق أن إيتاء الحق عام والمقام يقتضي الشمول فيتناول الحق المالي وغيره من الصلة وحسن المعاشرة فلا تنتهض الآية دليلًا على إيجاب نفقة المحارم، وتعقب أن قوله تعالى: {حَقَّهُ} يشعر باستحقاق ذلك لاحتياجه مع أنه إذا عم دخل فيه المالي وغيره فكيف لا تنتهض الآية دليلًا وأنا ممن يقول بالعموم وعدم اختصاص ذي القربى بذي القرابة الولادية، والعطف وكذا ما بعده لا يدل على تخصيص قطعًا فتدبر، وقيل: المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم وروي ذلك عن السدي، وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه قال لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم قال: أفما قرأت في بني إسرائيل فآت ذا القربى حقه؟ قال: وإنكم القرابة الذي أمر الله تعالى أن يؤتى حقه؟ قال: نعم، ورواه الشيعة عن الصادق رضي الله تعالى عنه وحقهم توقيرهم وإعطاؤهم الخمس. وضعف بأنه لا قرينة على التخصيص، وأجيب بأن الخطاب قرينة وفيه نظر، وما أخرجه البزار وأبو يعلى. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري من أنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدكًا لا يدل على تخصيص الخطاب به عليه الصلاة والسلام على أن في القلب من صحة الخبر شيء بناءً على أن السورة مكية وليست هذه الآية من المستثنيات وفدك لم تكن إذ ذاك تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بل طلبها رضي الله تعالى عنها ذلك إرثًا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كما هو المشهور يأبى القول بالصحة كما لا يخفى {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا} نهى عن صرف المال إلى من لا يستحقه فإن التذير إنفاق في غير موضعه مأخوذ من تفريق البذر وإلقائه في الأرض كيفما كان من غير تعهد لمواقعه، وقد أخرج ابن المنذر.
وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه. والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه قال: التذير إنفاق المال في غير حقه. وفي مفردات الراغب وغيره أن أصله القاء البذر وطرحه ثم استعير لتضييع المال، وعد من ذلك بعضهم تشييد الدار ونحوه، وفرق الماوردي بينه وبين الإسراف بأن الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل قادير الحقوق والتبذير تجاوز في موقع الحق وهو جهل بالكيفية وواقعها وكلاهما مذموم والثاني أدخل في الذم.
وفسر الزمخشري التبذير هنا بتفريق المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف، وذكر أن فيه إشارة إلى أن التبذير شامل للإسراف في عرف اللغة ويراد منه حقيقة وإن فرق بينهما بما فرق، وفي الكشف بعد نقل الفرق والنص على أن الثاني أدخل في الذم أن الزمخشري لم يغب ذلك عليه لأن الاشتقاق يرشد إليه وإنما أراد أنه في الآية يتناول الإسراف أيضًا بطريق الدلالة إذ لا يفترقان في الأحكام لا سيما وقد عقبه سبحانه بالحث على الاقتصاد المناسب لاعتبار الكمية المرشد إلى إرادته من النص، وتعقب بأنه إذا كان التبذير أدخل في الذم من الإسراف كيف يتناوله بطريق الدلالة والنهي عن الإسراف فيما بعد يبعد إرادته هاهنا فتأمل.


{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
{إِنَّ المبذرين كَانُواْ إخوان الشياطين} تعليل للنهي عن التبذير ببيان أنه يجعل صاحبه ملزوزًا في قرن الشياطين، والإخوان جمع أخ والمراد به المماثل مجازًا أي أنهم مماثلون لهم في صفات السوء التي من جملتها التذير أو الصديق والتابع مجازًا أيضًا أي أنهم أصدقاؤهم وأتباعهم فيما ذكر من التذير والصرف في المعاصي فإنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة وسائر ما لا خير فيه من المناهي والملاهي أو القرين كما سبق أيضًا أي أنهم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد.
{وَكَانَ الشيطان لِرَبّهِ كَفُورًا} من تتمة التعليل أي مبالغًا في كفران نعمه تعالى لأن شأنه صرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى والقدر إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي والإفساد في الأرض وإضلال الناس وحملهم على الكفر بالله تعالى وكفران نعمه الفائضة عليهم وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به.
وفي تخصيص هذا الوصف بالذكر من بين صفاته القبيحة إيذان بأن التبذير الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها من باب الكفران المقابل للشكر الذيهو صرفها إلى ما خلقت له، وفي التعرض لعنوان الربوبية إشعار بكمال عتوه كما لا يخفى. ويشعر كلام بعضهم بجواز حمل الكفر هنا على ما يقابل الإيمان وليس بذاك.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12